القائمة الرئيسية

الصفحات

خــرافة: يــوسف المسحور المدفون في ســبعة قــبور: الجــزء الثالث

 

يــوسف المسحور المدفون في ســبعة قــبور

الجــزء الثالث


 

زواج الأميرة الكبرى

من هو يوسف المدفون؟

يوسف المسحور هو أمير سُحِر من قبل امرأة رفض أن يتزوّجها لسوء سيرتها.. فألقت به في قبر مهجور ورمتْ فوقه سبع قِطَعٍ من الحجارة الضخمة لا يقوى على رفعها أقوى الرّجال، حتّى أنّ طريق الوصول إليه مليء بالمخاطر والأهوال.. كما أنّ الأمير عاهد نفسه بأن يتزوّج من تنقذه مهما كان شكلها أو سنّها.

يتوجّب على من تُنقذه أن تسرق سبعِ أمْدِسة(جمع مَداس أي حذاء) أحد العفاريت وسبعةِ مراوحَ وسبعةِ طواقِ.. عليها في كلّ مرّة تلبس مداسٍ واحدٍ وتسير به إلى أن يتمزّق عندها سوف تجد بحيرة كبيرة ترمي فيها إحدى الطواقِ التّي سوف تتحوّل إلى زورق صغير يُوصلها إلى الطرف الآخرَ، وتُعيد الكَرّة حتّى تتمزّق جميع الأمْدِسة وتعبر جميع البحيرات.. بعدها سوف تجدُ بناءً مهجورًا يُشبه المسجد، مُحاطٌ بأشجار النّخيل وفيه بِئـرٌ عميقة ماءها حلو عذبٌ.. في فناءه يوجد قبر يوسف.. هنا يأتي مهمّة المراوح السبعة فتقوم بتحريكها باستمرار.. فكلمّا تمزّقت مروحة تنشقّ حجارة إلى أن تتمزّق جميعها.. حينها فقط يستطيع الأمير النجاة ويزول عنه السّحر.

بعد مغادرة الجنيّ القصر، أسرعت الفتاة وأخبرت الأميرة بكلام العفريت ونصحتها بأن ترجع إلى قصر أبيها فمهمتّها مستحيلة، لكنّ الأميرة أبَتْ الاستسلام وقرّرت خوض التّجربة لعلّها تنجح.. عندها جلبت لها الفتاة ما يلزمها من طعام والطواقِ والأمْدِسة والمراوح ووضعتها في كيس، ثمّ أعطتها حبّة جوزٍ لعلّها تنفعها وقت الضيق ثمّ ودّعتها متمنيّة لها الحظّ الوفير.

امتطت الأميرة حصانة وابتعدت عن قصر العفريت مسافة لا بأس بها وقامت بتحريره بعد ما حملت أغراضها.. ثمّ خلعت مداسها وخبأته وارتدت مداسًا من أمْدسة العفريت، كان ثقيلاً جدّا.. فكيف ستقدر على السير به.. تضرّعت إلى الله أن يُساعدها في محنته ويُلهمها الصبر والقوّة.. كانت تسير طوال النّهار تجرّ قدماها جرّا.. أحيانا تسقط من كثرة التعب والإنهاك وترتاح عندما يجنّ الليل إلى أن تمزّق المداسُ أخيرًا فأبصرت بحيرة واسعة ذات تيّار مائيّ قوّي.

دعت الله وألقت الطاقيّة في البحيرة التّي سرعان ما تحوّلت إلى زورق صغير به مِجدافيْن.. ألقت الأميرة متاعها في القارب ثمّ بدأت في التجديف رغم تعبها حتّى عَبَرت الضفّة المقابلة بعد صراع مع التيّار الجارف، كانت مرهقة فألقت بنفسها على الأرض بعد ما أخرجت متاعها وهي تنظر إلى الزورق الذي غرق في البحيرة وكأنّه لم يكن موجودا.. تمالكت نفسها وجرّت قدميها جرًّا من الإعياء واستظلّت بشجرة وتناولت قليلاً من الطعام لتسترجع بعضًا من قوتها.. ظلّت على ذلك الحال أيّامًا وأيّامًا قرابة الشهر بين مسِيرٍ وإبحار والتعب يكاد يُنهيها، تقتات على ثمار الأشجار وفي بعض الأحيان على خَشاش الأرض وتشرب من مياه الأنهار والوديان.. أحيانا تضعف عزيمتها فتنهار بالبكاء وأحيانًا أخرى تسترجع قوتّها كلّما تذكّرت اقترابها من غايتها حتّى عبرت البحيرات السّبع وتراءى لها المسجد الموعود من بعيد.

 

خــيبة أمـــــل

كادت تطير فرحًا وداهمتها أحلام اليقظة لا يفصلها عن لقاء أميرها سوى أمتارٍ قليلة حينها سوف يزول كلّ تعبها.. أسرعت الخُطى وكانت أحيانا تركض تمنّي النّفس باُنتهاء هذا الكابوس وبدءِ حياة جديدة وسعيدة.. وقفت أمام بناء مهجور متداعيًا تحيطه أشجار النخيل المثمرة وتدلّى منها عراجين التمر كأنّها عناقيد عنبٍ.. الغريب في الأمر أنّ أشجار النّخيل ليست عالية بل قصيرة إذا مدّت يدها وصلت إلى العَرْجون بسهولة.

أسرعت إلى الداخل تبحث عن القبر الذي دُفِن فيه أميرها.. فرأت رُخامة كبيرة ملساء تحتها ستّة طبقاتٍ من الرُخامِ.. أخرجت المروحة الأولى وأخذت في تحريكها يمنة ويسرة لِساعاتٍ دون كللٍ أو مللٍ متجاهلةً الألم في يدها إلى أن تمزّقت فاُنشقت الصخرة الأولى إلى نصفين متساويين، داهمها الليل ولم يكن لديها شمعٌ أو نارٌ لتضيء المكان فنامت بجوار القبر.. أفاقت على صوت العصافير فَخَالَتْ نفسها في قصر أبيها وأنّها كانت ترى كابوسا، لكن هيهات فقد كان الواقع مريرًا.. تنهّدت ثمّ ذهبت إلى البئر وألقت الدلو فملأته وغسلت وجهها ثمّ قطفت بعض التمرات وأكلتها.

لم تمكث طويلا فأسرعت وجثت على ركبتيها بجانب القبر وأخرجت مروحة ثانية وبدأت في تحريكها كالمعتاد، مرّت الأيّام ثقيلة لا تنام إلاّ سُويْعاتٌ قليلة حتّى بقيت لديها سوى مروحة أخيرة وتُنقذ الأمير.. عندما أخرجت آخر مروحة سمعت صهيل خيول فإذا بقافلة تحطّ الرّحال تطلب الماء.. أخفت المروحة وأسرعت إليهم وهي في هيئة الرجال بلباسها ألقت عليهم السّلام ورحبّت بهم ودلّتهم على البئر فشربوا وملئوا جرابهم وسقُوا خيولهم وجِمالهم وقدمت لهم بعض الثمار والتمر حتّى شبعوا وحمدوا الله.. ثمّ شدّوا الرّحال وكمكافئة لحُسن استقبالها تركوا لها جوادًا وخادمة تُساعدها على قضاء بعض الحاجيات من المدينة وتُأنس وحدتها ظنًّا منهم أنّه رجل صالح يتعبّد في هذا المكان مبارك.

 

خُــبثُ الخادمــة

كانت الخادمة زنجيّة وغير جميلة ذات بنية جسدية شبيهة بالرّجال.. فرحت الأميرة بوجود شخص يؤنسها وتتحدّث معه، فكشفت لها عن حقيقتها وأخبرتها بقصتّها.. تعجبّت الخادمة لشجاعة الأميرة وعلمت بسرّها وأرادت أن تستغلّ الوضع وتفوز هي بقلب الأمير.. فطلبت منها أن تأخذ قسطًا من الرّاحة فليس من اللائق أن يرى الأمير عروسه على هذه الهيئة والثياب الرثّة.. وثقت بها الأميرة وذهبت وغيّرت ملابسها ثمّ خلدت إلى النوم حتّى تزول علامات التعب عن وجهها وأعطت المروحة إلى الخادمة وطلبت منها أن تحرّكها يمنة ويسرة وتوقظها قبل أن تتمزّق كلّها.

اتّجهت الأميرة نحو شجرة متفرّعة وبسطت لحافًا ثم نامت، كانت مرهقة حتّى أنّها غاصت في نوم عميق ولساعاتٍ طويلة.. كانت الخادمة قوية الجسم حتّى أنّ هذا العمل يُعدّ سهلاً بالنسبة لها.. فكانت تُسرع في تحريكها خشية أن تستيقظ الأميرة إلى أن تمزّقت كُلِّيًا وانقسمت الرُخامة إلى شَطْرين وانشقّ القبر عن شاب وسيم.. لم يتوقّع الأمير أن تكون مُنقذته غير جميلة وبهذه الهيأة لكنّه تذكّر الوعد الذّي قطعه عن نفسه، فحمدَ الله ووعدها بالزّواج فدلّته عن مكان الحصان وامتطياه متّجهين نحو قصر أبيه.

 

التـشبث بالأمــل

استفاقت الأميرة على صوت صهيل الحصان ووقع حوافره فأسرعت إلى الدّاخل وهَالها منظر ما رأته، لقد كان القبر مفتوحًا والأمير والخادمة غير موجودين فعلمت أنّ الخادمة استغلت طيبتها وخانت ثقتها وأنّ الأمير ليس مُذنبًا فانهارت بالبكاء، تندب حظها أَ بعدَ كلّ هذه الأهوال التّي مرّت بها وكلّ هذه المصاعب التّي تحمّلتها يضيع جُهدها سُدًى؟... مستحيل.. قرّرت أن تلحق بهما حتّى ولو زحفًا وتكشف حقيقة تلك الخبيثة.

تنكرّت في ملابس رجاليّة وأخذت في السير فليس لديها دابّة تمتطيها.. مرّت بأحد الفلاحين وسألته عن مدينة يوسف المسحور، فأخبرها أنّها تبعد مسيرة يومين إذا سلكت ذلك الطريق لأنّه مختصر.. شكرته وحثّت الخطى.. تبيتُ تحت الأشجار إذا جنّ الليل إلى أن وصلت إلى سوق المدينة المزعومة.. ولو يكن هناك حديث بين النّاس سوى عن عودة الأمير المفقود وزواجه من الزنجيّة.. تجوّلت في السوق وبحثت عن مكان شَبيهٍ بالفندق حاليًا.. أشبعت بطنها وغيرت ملابسها وخلدت إلى النوم.

 

 حبّــات الجــوز السّحرية

عند طلوع الشّمس، استيقظت الأميرة وتنكّرت كعادتها في ملابس الرجال فتذكّرت حبّات الجوز التّي أعطتها إيّاه الأخوات الثلاثة في قصر العفريت.. كسرت حبّة الجوز فوجدت داخلها مِشْطًا مرصّعًا بالحجارة الكريمة فريد من نوعه وضعته في جيبها واتّجهت نحو قصر الأمير وفي يدها صرّة بها بعض الملابس كانت قد اشترتها البارحة من السوق وارتدتها في أحد الحقول القريبة من القصر.

طلبت من حرّاس باب القصر بأنّها جلبت هديّة إلى العروس كعربون محبّة بعودة أمير البلاد..رافقها الحارس إلى جناح الحريم وقابلها بالمسئولة على الجواري وأخبرتها بما أخبرت به الحراس.. استغربت المرأة لأنّ العروس ذات طبع سيئ وفظّة منذ وصولها إلى القصر ولا تُحسن التصرّف حتّى الجواري لم تسلمن من شرّها وأصبحن يكرهنها.. ومع ذلك وافقت ورافقتها إلى جناح العروس وانتظرت حتّى تأْذن لها بالدخول.

لمّا أُذِنَ لها، دخلت الأميرة فوجدت الخادمة جالسة وقد ارتدت أحلى الثياب وزُيّنت بأحلى الجواهر.. عندما وقعت عيناها عنها نهضت من مكانها وعيناها تقدح شرًّا وأمرت جميع الجواري بالخروج من الغرفة كي لا يُفتضح أمرها.. ثمّ سألتها عن سبب مجيئها وأنّها (أي الخادمة الزنجيّة) هي من أنقذت الأمير من أسره وستُصبح عروسه بعد ثلاثة أيّام.

طلبت منها الأميرة بالسماح لها بمقابلة الأمير كي تُحادثه مقابل إعطاءها المشط المرصّع بالياقوت.. عندما رأت الخادمة المشط انبهرت بجماله ووافقت على طلبها شريطة أن تُقابله لبضع دقائق فقط بعد صلاة العشاء، فرحت الأميرة وشكرتها.. وحانت لحظة اللقاء وقلب الأميرة ينبض بقوّة، أخيرا سترى أميرها الذّي جعله القدر من نصيبها.

رافقتها إحدى الجواري إلى جناح الأمير فرأته يغطّ في نوم عميق وحاولت إيقاظه من نومه مِرارًا دون جدوى، ثمّ جاءت الجارية وأخرجتها من القصر.. غادرت الأميرة القصر وهي تجرّ رجليها جرّا.. كانت مكسورة الخاطر تذرف الدمع فقد أحسّت بالظلم والقهر.. مرّت إلى الحقل أين تركت ملابسها وارتدت ثياب الرجال وخبّأت عباءتها بين الحشائش ثمّ عادت إلى غرفة الفندق وألقت بنفسها على الفراش تبكي بحرقة حتّى داهمها النوم ونامت.

أفاقت على أصوات الباعة يُنادون عن بضاعتهم، أخرجت حبّة الجوز الثانية وكسرتها فوجدت بداخلها قلادة ذهبيّة بها حجر ياقوتٍ أحمر تُضيء بنور يُبهر كل من رآه.. دسّتها في جيبها وتناولت فطورها على عجلٍ وتوجهت نحو الحقل ارتدت عباءتها ثمّ أسرعت إلى القصر وأخبرتهم بأنّها جلبت هديّة لا تليق إلاّ بالعروس.. عندما قابلتها طلبتها منها نفس الطلب مقابل القلادة التي لا مثيل لها.. غلب الطمع الخادمة الزنجية فوافقت على طلبها وطلبت منها الانتظار في جناح الجواري إلى بعد صلاة العشاء.

دخلت غرفة الأمير الذي وجدته نائما مثل ليلة البارحة وذهبت جهودها في إيقاظه أدراج الرياح.. كانت الخادمة الخبيثة تدّس له منوّمًا في طعامه في الليلة الأولى والثانية حتّى تمنع الأميرة من التحدّث معه خشية أن يُفتضح أمرها.. لكنّ الأمير شعُرَ بالغرابة إذ ليس من عادته أن ينام بملابسه، كما أنّه كان يحُسّ بالثقل في رأسه كلّما استيقظ من نومه.. ثمّ أخذ يُفكّر فيما صنعه طِوال النّهار حتّى موعد طعام العشاء، بعده لا يذكر شيئًا.. فالطعام ليس به شيء لأنّ الزنجية كانت تُشاركه الطعام وتذكّر أنّها ناولته عصيره المفضّل عندها شكّ في الأمر وقرّر أن يكشف السرّ.

بالعودة إلى أميرتنا المسكينة لم يتبقّى لديها غير فرصة وحيدة لتُنقذ الأمير من براثن تلك المرأة الطمّاعة والخبيثة.. كسرت حبّة الجوز الثالثة فوجدت داخلها مرآة ذات إطار مذهب ومرصع بأحجار الزمرّد والياقوت تمنّت لو كانت لها.. لكن من أجل أميرها يهون كلّ شيء.. وكالعادة قابلت الخادمة وطلبت منها العودة بعد صلاة العشاء ودخلت لغرفة الأمير وحاولت إيقاظه دون جدوى.. أخذت تبكي في حرقة وتشكو إليه حزنها والأهوال التّي مرّت بها من أجل إنقاذه لكنّ تلك الزنجية حصدت ثمار تضحيتها دون تعبٍ، وودّعت أميرها وتمنّت له السّعادة لأنّها لن يُسمح بمقابلته مرّة أخرى، لذلك قرّرت العودة إلى قصر أبيها.

 

نهايـــة الخـــرافة

كانت الأميرة في حالٍ يُرثى لها وعندما همّت بالخروج ناداها الأمير من خلفها أن ابْقِي.. لم تُصدّق الأميرة نفسها فالتفتت فإذا به واقف أمامها بشموخ والتقت عيناهما.. أخبرها أنّ  الخادمة كانت تضع له دواءً للنوم في عصيره المفضّل لكنّه في هذه الليلة غافلها وتظاهر بشربه وهو في الواقع سكبه على السّجاد وتظاهر بالنوم.. فحملته الزنجيّة ووضعته في فراشه وغادرت ظنّا منها أنّه نائم.

 كانت سعادة الأميرة لا تُوصف فقد عرف الأمير حقيقة الأمر أخيرًا وشكر تضحيتها لإنقاذه من ذاك القبر اللعين ومن براثن تلك الشريرة المَقيتة.. ثمّ نادى الحرّاس فجلبوا الزنجيّة التي صُدمت برؤية الأميرة جانب الأمير الذّي أمر بإعدامها لكنّ الأميرة ذات القلب الطيّب ترجّته أن يصفح عنها وينفيها خارج البلاد أو يسجنها مدى الحياة وهكذا لن تكون مصدر خطر عليهما.. زاد إعجابه بالأميرة وبمواقفها فأمر بسجن الخادمة في زنزانة منفردة ثمّ عرض الزّواج على الأميرة التّي وافقت على الفور فأقيمت الأفراح وعاشَا في سعادة وهناء وأرسلوا الرسل إلى قصر والدها يُعلموه بزواج ابنته الكبرى من الأمير وسوف يقوما بزيارته في أقرب فرصة.

وهكذا اُنتهت خرافتنا خرافة يوسف المسحور المدفون في سبعة قبور وإن شاء الله سوف أتطرّق إلى سرد قصة ابنة السلطان الوسطى مع الكلب في خرافة  الكلب ذو السلاسل السبع....😊

 

 

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

تعليقات

التنقل السريع